منتديات الشاعر المصرى عبداللطيف مبارك
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


أدب . فن تشكيلى . كومبيوتر . جوال . فضائيات . أسرة وطفولة . إسلاميات
 
الرئيسيةlatifأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 قطار محمد البساطي يرحل بأحلام البشر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبداللطيف مبارك
Admin
عبداللطيف مبارك


عدد المساهمات : 888
تاريخ التسجيل : 07/04/2008

قطار محمد البساطي يرحل بأحلام البشر Empty
مُساهمةموضوع: قطار محمد البساطي يرحل بأحلام البشر   قطار محمد البساطي يرحل بأحلام البشر I_icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 25, 2013 10:49 pm

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


يسري عبدالله
الإثنين ٢٣ سبتمبر ٢٠١٣
بعدما أعيت الفاقة أبطاله في رواية «جوع»، وحاصرتهم زنازين العقل والروح في «أسوار»، وأصبحت الحريّة هاجسهم المركزي في مجموعته القصصية «نوافذ صغيرة»، تمكّن الكاتب المصري الراحل محمد البساطي من أن يحفر في مجرى مشروعه السردي البالغ الخصوصية، مكرساً تصوراته الجمالية المائزة عن الحياة والعالم. وفي مجموعته القصصية «أضواء على الشاطئ» (صدرت بعد رحيله عن الهيئة المصرية للكتاب)، يبدو البساطي مكملاً ما بدأه من ذي قبل، وصانعاً تنويعة جديدة من تنويعاته السردية المتعددة. فالمجموعة التي تتشكل من سبع عشرة قصة قصيرة تنحو كلّها صوب الكشف الأصيل عن ذاك الجوهر الثري للإنسان، معنية بالناس وحيواتهم، وعلاقتهم بالأمكنة، وتحولاتها.

وما بين قصته الأولى «فرحة» في مفتتح المجموعة، وقصته الأخيرة «رؤيا»، يبدو الكاتب مسكوناً برصد لحظات إنسانية إضافية في حياة شخوصه، معنياً أكثر بمتابعة هواجسهم وانفعالاتهم المختلفة، طارحاً تبدلاتهم المتعددة، تلك التي يقبض عليها بجدارة، فيحيلها إلى عالم رحيب تتعارك فيه شخوصه مع الأزمنة الغادرة، والحلم الذي ولّى، والواقع المرّ، والحياة التي توشك على المغادرة، وعلى الإفلات، ليحيل النص - وبامتياز - إلى جدل الحياة والموت. وهذا الجدل يمكنك تلمسه في معظم نصوص البساطي، أي حين يصبح الموت أعمق من كونه مجرد صيغة لبلوغ عالم جديد، وإنما نهاية أقسى لواقع قامع، وموحش في آن. ففي قصته «فرحة»، يكون السجين مبتهجاً بسيجارة يشعلها في طريقه إلى المحكمة، غير أنها فرحة قصيرة وكاذبة، إذ سرعان ما تنتهي بطعنة تقتله على يد المرأة المكلومة التي قتل زوجها. وهي لم يكن حظها أحسن حالاً من زوجها إذ تصرعها رصاصة الحارس، لنرى ظلالاً من الكآبة تهيمن على أجواء النص، وبما يحيل عنوانه المخاتل «فرحة» إلى محض دلالة ضدية تشير إلى ذلك الحزن والتوتر المكتوم.



مصائر منتظرة

وفي «رؤيا» يتسع الشرخ الكامن في شرفة المنزل القديم، حتى يبلغ مقامه الأخير، فيهوى مثلما استشرف الموظف التعيس المارّ بجواره ليل نهار، والذي يعيده دوماً إلى أحلامه الآيلة الى السقوط، ليصبح الشخصية المركزية في القصة «الموظف» مجرد شخص يترقب مصيره المقبل، منتظراً حتفه في أية لحظة. ومن هنا يؤسس الكاتب نصه على آلية الجدل بين البشر والأشياء، فالموظف والجدار المتداعي يعبّران عن حالين متقاطعين من التأزم، ويرمزان في دلالة أنجع إلى عالم يقترب من حافة الانهيار، حافة الجنون.

إنها رتابة العالم وقمعه المستمر في قصة «نقود معدنية»، فالنقود على رغم قلّتها تصر على الرحيل، فتهوى مرتين من يد الرجل المعتقل. في الأولى يمنحها إيّاها حارس المعتقل وهو يهمّ بالمغادرة، وفي الثانية يجمعها طفل صغير على رصيف المترو، ثم يلحق بأمّه. وما بين المرتين يكشف الكاتب عبر تقنية الفلاش باك عن عالم يلتهم الضعفاء، ويمجّد القهر الإنساني، يؤاخذ فيه الرجل - الشخصية المركزية - على جريمة لم يفعلها. ويستخدم القاصّ هنا صيغة التنكير في الإشارة إليه، فلم يسمّه، أو يعرّفه، في دلالة على العموم من جهة، وإحالة إلى فكرة النموذج من جهة ثانية. فالشخصية هنا تتجاوز بُعدها الفردي لتصير علامة على واقع قامع لأفراده، وفي سنوات السجن الثلاث وشهوره السبعة ليس ثمة شيء يتغير، الشوارع ذاتها بصخبها الدائم، حتى المنشفة (الفوطة) التي تضعها امرأته فوق حبل الغسيل إعلاماً للآخرين أن ثمة بشراً يسكنون المنزل، لم تزل موضوعة كما هي. هنا تتداخل مساحتان زمنيتان، إحداهما ماضوية: «اليوم بعيد. بعيد. كان يقف على الرصيف منتظراً مرور التظاهرة حتى يعبر الشارع إلى الجانب الآخر ويمضي إلى عمله»، والأخرى راهنة: «وقف على الرصيف. مقاعد خالية بجوار الحائط. رمقها متردداً وظل في وقفته. مد يده في جيبه، سحب المنديل ليمسح أنفه. تساقطت بعض قطع النقود المعدنية على بلاط الرصيف في صوت مسموع، انكمش مبتعداً خطوة، قطعة منها كانت تتدحرج، أخذت قوساً وعادت تستقر» (ص 87)، وكلتا المساحتين الزمنيتين إنما تكشفان عن عالم رتيب، بالغ القسوة، بالغ العتامة.



شخصيات معذبة

يبدو الكاتب معنياً بالزمن أكثر في «ويمضي اليوم»، مختاراً لقصته عنواناً مغايراً، يفارق الصيغة الرومنطيقية الساذجة التي كان يمكن أن تحمل عنواناً تقليدياً مثل «وتمضي الأيام». فالبساطي ابن الوعي المتجدد وليس سكونياً. وثمة إشارة ذكية يحملها العنوان الدالّ حين يحيل إلى فكرة مفادها أن حياة أولئك الشخوص المعذبين بوضعيتهم الاجتماعية البائسة تبدو يوماً واحداً، طويلاً، وتكرارياً في آن. فـ «زبيدة» ابنة ناظر المدرسة الابتدائية لا تجد من يلبي احتياجاتها العاطفية والحسية، وليس ثمة رجل واحد يتقدم، والناظر غارق في تصوراته القديمة عن الحياة والعالم، والفتاة تريد أيّ رجل، غير أنّ المفارقة المدهشة هنا أنّ القسوة المفرطة للواقع تدفع كليهما إلى العيش، وإكمال قطار العمر الداهس لأحلام البشر وأمانيهم في لحظات مأزومة من حيواتهم.

يمثل الحوار أحد أبعاد الرؤية السردية في قصة «عضة كلب»، ويبدو كاشفاً عن جوهر النص، محفزاً المتلقي للوقوف على حافة التساؤل/ حافة الفعل، ولإكمال تلك الفراغات النصية التي كثيراً ما يتركها البساطي أمام قارئه، كي ينهض بها بوصفه شريكاً فاعلاً في إنتاج الدلالة الكلية للسرد. ولعلّ الحوار الدائر بين الأب العاجز والبنت الحائرة يكشف عن كوامن دفينة في شخصية كليهما من جهة، ويدفع بالحدث القصصي إلى الأمام من جهة ثانية:

«يسألني عن أمي، وإن كانت مرضت؟

- أبداً. قبل ما تموت بأسبوع اشترت بنطلون

- معقول؟ وكان شكلها ايه؟

- ما لحقتش تلبسه

- آه.

في لحظة تجرأت وسألته عن أسباب انفصالهما؟

ظهرت تكشيرة على جبهته. قال:

- فيه حاجات عيب تسألي عنها.

- أنا بنتك وبنتها يبقى فين العيب؟

رمقها بنظرة غاضبة ولم يجب» (ص 99).

تكشف قصة «أضواء على الشاطئ»، التي تحمل المجموعة اسمها، عالماً يتجادل فيه الأمل واليأس، لتبقى مساحة ولو ضئيلة للحياة، ينفذ منها شخوص البساطي المنسيون.

تلوح في «البغل وصاحبه» عوالم القرية المنسية بوصفها ترميزاً لتلك المجتمعات المغلقة، والمسكونة بالتناقضات الفادحة، تلك التي تحيل «زبيدة» الخادمة الريفية الصغيرة في قصة «الخادمة» إلى فتاة ليل في القاهرة، هرباً من جحيم عمّتها، لتجد نفسها ملتحقة بعالم أكثر شراسة وصخباً، لكنه يستهوي نزقها وتمردها ورغباتها المتأججة. وفي هذا السياق الاجتماعي الضاغط تبدو «سنية» في قصة «المغنية» مطربة تحيا على الحافة في بلدة تعيسة أكلها الحرمان بمنحييه المادي والمعنوي، ولذا لم تجد عكازاً سوى زوجها (عباس حمامة) ليقتسما معاً همّ الحياة وحرفة الغناء في تلك الأفراح القروية. وتبدو الأشياء هنا ابنة لعالم خامل، ومتداعٍ، يشبه تماماً فستان «سنية» المتهالك، والذي سرعان ما يقطعه مسمار ضال على عربة خشبية قديمة وبائسة.

في «أضواء على الشاطئ» ثمة قصص عن الفقد والوحشة: «العمة فاطمة» /ابنتي»، وقصص أخرى عن ذلك الضعف النبيل: «انتظار/عودة/ غضب». وفي كل منها يجد القارئ نفسه أمام كتابة تنحاز إلى هذا الوتر الإنساني في تمثلاته المختلفة، وتنوعه الخلاّق. ويراوح فيها الكاتب في توظيف الضمائر المستخدمة في الحكي، فتارة يحكي بضمير المتكلم، وتارة أخرى بضمير الغائب، وبما يعني قبضاً على صيغتي السرد الذاتي والموضوعي أيضاً، متكئاً على لغة شفيفة ومكتنزة ومكثفة، تحمل عنفها المكتوم، وشجوها الخاص، وحمولاتها الفكرية والعاطفية الدالة، خالقة بصمتها الأسلوبية الخاصة التي ميزت كتابة البساطي دوماً، وفي نصوصه كلّها.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://latifmoubarak.yoo7.com
 
قطار محمد البساطي يرحل بأحلام البشر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات الشاعر المصرى عبداللطيف مبارك :: المنتدى الأدبى العام :: منتدى أخبار الأدب والأدباء-
انتقل الى: