ثورة يوليو والعروبة

ثورة يوليو 1952 والعروبة


* حين يحضرنا الحديث عن ثورة يوليو 1952علينا ألا ننظر إليها كمجرد انقلاب عسكري عارض كما يصوره بعض الذين أضيروا من الثورة ، وليست ثورة يوليو 1952 نتيجة لاتفاق ضمني غير مكتوب بين ثوار يوليو والولايات المتحدة الأميركية لطرد بريطانيا من الشرق وإحلال الأولى بدلا منها ! فثورة يوليو / عبد الناصر حدث وطني وعربي على اكبر مستوى ، فهي من الناحية الوطنية – مصريا – أحدثت انقلابا اجتماعيا بين الشعب المصري لصالح الطبقات الدنيا بقوانين الإصلاح الزراعي وقوانين يوليو الاشتراكية فأعادت توزيع الثروة بعد انتزاعها من بين أنياب طبقة الـ 5 % ، وعربيا دعمت الثورة توجهات عروبة مصر ممثلة فى دعـم حركات التحرر الوطني فى العالم العربي ( ثورة اليمن / ثورة الجزائر ) وتحملت مصر / الثورة نتائج مساندتها لهذه الحركات التحررية من الاستعمار الغربي ( عدوان 56 / سحب تمويل السد العالي / عدوان 67 ) ، فالمضمون القومي للبعد العربي لمصر واندماجها فى المنطقة العربية لم يتبلور فى شكله الحالي إلا على يد ( عبد الناصر / الثورة ) الذى استبدل بشعار " وحدة وادي النيل – مصر والسودان " الذى ساد خلال ثورة 1919 وما بعدها اتجاها عربيا شاملا يركز على وحدة الأمة العربية جميعا ، مما فتح الطريق أمام تلاقى الفكر القومي المصري والفكر القومي الشامي إيمانا من الشوام بالفكر الثوري الناصري العروبى الوحدوي المطروح على الساحة ، فعبد الناصر / الثورة أعطى العروبة مضمونها القومي الشامل على أساس سياسي معتبرا عروبة مصر " قدر ومصير وحياة "، فما قبل ثورة يوليو كانت توجهات مصر عربيا متحفظة إزاء الفكر القومي الموحد ، وقد ظل الشعب المصري شديد التعاطف مع القضايا ونضال الشعوب العربية من منطلق الجوار ومن منطلق إسلامي مستندا على ركيزة أساسها الوطنية المصرية والأمة المصرية لا العربية ! ، وقد انحاز الى فكرة الأمة المصرية كتابا مصريين مرموقين دافعين بها تارة تجاه الحضارة البحر متوسطية ( طه حسين ومستقبل الثقافة فى مصر ) وتارة أخرى تجاه جذور فرعونية ( توفيق الحكيم فى عودة الروح ) وتارة ثالثة تجاه الشرنقة المصرية الخالصة والتي تعتبر الأمة المصرية وحدة مستقلة متميزة غير قابلة للذوبان الايدولوجى ( جمال حمدان فى شخصية مصر ) ، وقس على ذلك نظرة الساسة المصريين للدول العربية – قبل الثورة – حيث تحددت نظرة هؤلاء الساسة فى دور مصر ثقافيا وتعليميا فقط الى جانب البعد الإسلامي دون الاعتبار بالانتماء العروبى ، حتى فى وسط التدعيم المصري لإنشاء جامعة الدول العربية أو دخول حرب 1948 كانت هناك ومضات وتصريحات للساسة المصريين تشير الى إبراز الشخصية المصرية ، كما نرى الزعامات المصرية قبل الثورة بداية من عرابي الى سعد زغلول مرورا بمصطفى كامل ومحمد فريد قد ركزت على مفهوم الأمة المصرية ذات الانتماء الإسلامي دون التركيز على هوية مصر العربية ، أما مصر الثورة فقد أعطت لمصر الدولة الدور القيادي فى سياسة العالم العربي وأصبحت الدائرة العربية هى المحور الأول فى سياسة مصر الخارجية كما حددها عبد الناصر فى كتابه " فلسفة الثورة ". وهذا المفهوم العروبى لثورة 1952 من أهم أسباب استمراريتها وانتشارها ، فثورة يوليو هى الثورة الوحيدة فى عالمنا العربي التى انطلقت من مفهوم عروبى وقومي شامل واستطاعت بذلك الانطلاق ليس فى حدود المنطقة العربية بل وفى قلب الدائرة الأفروآسيوية.

عبد الغنى أبو عريف

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]